فصل: قال القنوجي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قلت رَوَاهُ الثَّعْلَبِيّ من حديث سَلام بن سليم الْمَدَائِنِي ثَنَا هَارُون بن كثير عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه عَن أبي أُمَامَة عَن أبي بن كَعْب قال قال رَسُول الله صلى الله عليه وسلمَ فَذكره.
وَرَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره بسنديه الْمُتَقَدِّمين فِي آل عمرَان.
وَرَوَاهُ الواحدي فِي تَفْسِيره الْوَسِيط بِسَنَدِهِ فِي يُونُس. اهـ.

.فصل في ذكر آيات الأحكام في السورة الكريمة:

.قال إلكيا هراسي:

سورة المجادلة:
قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قول الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها}، الآية/ 1.
وهي مفتتحة بذكر الظهار، وكان طلاقا جاهليا، فجعله الشرع على حكم آخر.
وروى أصحاب الأخبار: جاءت خولة بنت ثعلبة إلى النبي وزوجها أوس بن الصامت فقالت: إن زوجها جعلها عليه كظهر أمه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام:
«ما أراك إلا حرمت عليه»، وهو حينئذ يغسل رأسه فقالت: انظر جعلني اللّه فداك يا رسول اللّه، فقال: «ما أراك إلا حرمت عليه»، فكرر ذلك مرارا، فأنزل اللّه تعالى:
{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قول الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها}.
وقوله عليه الصلاة والسلام: «حرمت عليه»، ظاهره يعني به تحريم الطلاق، وإلا فحكم الظهار بينه اللّه تعالى من بعد، وهذا يحتج به من يجوز رفع الحكم بعد ثبوته في الشيء الواحد في الوقت الواحد، فإن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال لها: «حرمت عليه»، ثم حكم فيها بعينها بالظهار بعد حكمه بالطلاق، وذلك القول بعينه في شخص واحد بعينه، والنسخ عند من يخالف هؤلاء، يوجب الحكم في المستقبل بخلاف الأول في الماضي.
وغاية جواب المخالف، أن من الممكن أن اللّه تعالى وعد رسوله بذلك، فلم يحكم بالطلاق جزما، وإنما ذكره معلقا.
قوله تعالى: {وَإِنَّهُمْ لَيَقولونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقول}، الآية/ 2.
يدل على أن ذلك منكرا لأنه كذب.
قوله تعالى: {ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالوا}، الآية/ 3.
اعتبر العود، وقد اختلف الناس فيه، وأبو حنيفة، يقول: هو استباحة الوطء، فعليه الكفارة قبل الاستباحة، ومعنى الاستباحة العزم على الوطء.
والشافعي يقول: هو أن يمسكها بعد الظهار مدة يمكنه أن يطلقها فيه فلا تطلق.
ورأى الشافعي أن ذلك أشبه بالعود، لأنه إذا رآها، كالأم فلم يمسكها، فإن الأم لا تمسك بالنكاح، وأما العزم على الفعل، فهو عزم على محرم، فلا أثر له قبل مواقعة المحرم. اهـ.

.قال القنوجي:

سورة المجادلة اثنتان وعشرون آية.
وهي مدنية، قاله القرطبي: في قول الجميع، إلا رواية عن عطاء: أن العشر الأول منها مدنية.

.[الآيتان: الأولى والثانية]:

{وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3) فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (4)}.
{وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ}: بأن يقول الزوج لامرأته: أنت عليّ كظهر أمي كذا قال ابن عباس.
فالمعنى والذين يقولون ذلك القول المنكر الزور.
{ثُمَّ يَعُودُونَ} لِما قالوا: بالتدارك والتلافي، كما في قوله: {أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ} [النور: 17]، أي إلى مثله.
قال الأخفش: لما قالوا وإلى ما قالوا يتعاقبان. قال: {وَقالوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا} [الأعراف: 43]، وقال: {فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (23)} [الصافات]، وقال: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (5)} [الزلزلة]، وقال: {وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ} [هود: 36].
وقال الفراء: اللام بمعنى ثم يرجعون عما قالوا ويريدون الوطء.
وقال الزجاج: المعنى يعودون إلى إرادة الجماع من أجل ما قالوا.
قال الأخفش أيضا: الآية فيها تقديم وتأخير، والمعنى والذين يظاهرون من نسائهم، ثم يعودون لما كانوا عليه من الجماع.
{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}، لما قالوا. أي فعليهم تحرير رقبة من أجل ما قالوا.
واختلف أهل العلم في تفسير العود المذكور على أقوال:
الأول: أنه العزم على الوطء، وبه قال العراقيون: أبو حنيفة وأصحابه، وروي عن مالك.
وقيل: هو الوطء نفسه، وبه قال الحسن. وروي أيضا عن مالك، وهو أن يمسكها زوجة بعد الظهار مع القدرة على الطلاق، وبه قال الشافعي.
وقيل: هو الكفارة، والمعنى أنه لا يستبيح وطأها إلا بكفارة، وبه قال الليث بن سعد وروي عن أبي حنيفة.
وقيل: هو تكرير الظهار بلفظه، وبه قال أهل الظاهر.
والظاهر أنها تجزئ أي رقبة كانت.
وقيل: يشترط أن تكون مؤمنة، كالرقبة في كفارة القتل. وبالأول قال أبو حنيفة وأصحابه، وبالثاني قال مالك والشافعي واشترطا سلامتها من كل عيب.
{مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} المراد بالتماس: هنا الجماع، وبه قال الجمهور، فلا يجوز للمظاهر الوطء حتى يكفّر.
وقيل: المراد به الاستمتاع بالجماع أو اللمس أو النظر إلى الفرج بشهوة، وبه قال مالك، وهو أحد قولي الشافعي.
والإشارة بقوله: {ذلِكُمْ} إلى الحكم المذكور، وهو مبتدأ وخبره: {تُوعَظُونَ}: أي تؤمرون بِهِ أو تزجرون به عن ارتكاب الظهار. وفيه بيان لما هو المقصود من شرع الكفارة.
قال الزجاج: المعنى ذلكم التغليظ في الكفارة توعظون به، أي أن غلظ الكفارة وعظ لكم حتى تتركوا الظهار.
{وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3)}: لا يخفى عليه شيء من أعمالكم فهو مجازيكم عليها.
ثم ذكر سبحانه حكم العاجز عن الكفارة، فقال: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} أي فمن لم يجد الرقبة في ملكه ولم يتمكن من قيمتها، فعليه صيام شهرين متواليين لا يفطر فيهما، فإن أفطر يستأنف إن كان الإفطار لغير عذر، وإن كان لعذر من سفر أو مرض، فقال سعيد بن المسيب والحسن وعطاء بن أبي رباح وعمر بن دينار والشعبي والشافعي ومالك: يبني ولا يستأنف.
وقال أبو حنيفة: إنه يستأنف، وهو مروي عن الشافعي. فلو وطئ ليلا أو نهارا عمدا أو خطأ استأنف، وبه قال أبو حنيفة ومالك.
وقال الشافعي: لا يستأنف إذا وطئ ليلا لأنه ليس محلا للصوم. والأول أولى.
{فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} لكل مسكين مدّان، وهما نصف صاع. وبه قال أبو حنيفة وأصحابه.
وقال الشافعي وغيره: لكل مسكين مد واحد. والظاهر من الآية أنه يطعمهم حتى يشبعوا مرة واحدة، أو يدفع إليهم ما يشبعهم، ولا يلزمه أن يجمعهم مرة واحدة، بل يجوز له أن يطعم بعض الستين في يوم وبعضهم في يوم آخر.
والإشارة بقوله: {ذلِكَ} إلى ما تقدم من الأحكام، وهو مبتدأ وخبره مقدر، أي ذلك واقع.
{لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}: أي لتصدقوا أن اللّه أمر به وشرعه، أو لتطيعوا اللّه ورسوله في الأوامر والنواهي وتقفوا عند حدود الشرع، ولا تعتدوها ولا تعودا إلى الظهار الذي هو منكر من القول وزور.
والإشارة بقوله: {وَتِلْكَ} إلى الأحكام المذكورة، وهو مبتدأ وخبره: {حُدُودُ اللَّهِ}: فلا تجاوزوا حدوده التي حدها لكم، فإنه قد بين لكم أن الظهار معصية، وأن كفارته المذكورة توجب العفو والمغفرة.
{وَلِلْكافِرِينَ}: الذين لا يقفون عند حدود اللّه ولا يعملون بما حده اللّه لعباده وسماه كفرا تغليظا وتشديدا.
{عَذابٌ أَلِيمٌ (4)}: هو عذاب جهنم. اهـ.

.قال السايس:

من سورة المجادلة:
قال اللّه تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قول الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)}
ثبت في السنن والمسانيد أنّ أوس بن الصامت قال لزوجته خولة بنت ثعلبة بن مالك في شيء راجعته فيه: أنت عليّ كظهر أمّي وكان الرجل في الجاهلية إذا قال لزوجته ذلك حرمت عليه، فندم من ساعته، فدعاها، فأبت، وقالت: والذي نفس خولة بيده، لا تصل إليّ وقد قلت ما قلت حتى يحكم اللّه ورسوله صلى الله عليه وسلم، فأتت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول اللّه إنّ أوسا تزوّجني وأنا شابة مرغوب فيّ، فلما خلا سنّي، ونثرت بطني، جعلني عليه كأمه، وتركني إلى غير أحد، فإن كنت تجد لي رخصة يا رسول اللّه تنعشني بها وإياه فحدثني بها، فقال عليه الصلاة والسلام: «ما أمرت في شأنك بشيء حتى الآن» وفي رواية: «ما أراك إلا قد حرمت عليه». قالت: ما ذكر طلاقا، وجادلت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مرارا، ثم قالت: اللهم إني أشكو إليك فاقتي، وشدّة حالي، وروي أنها قالت: إنّ لي صبية صغارا، إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليّ جاعوا، وجعلت ترفع رأسها إلى السماء، وتقول: اللهم إني أشكو إليك، اللهم فأنزل على لسان نبيك، وما برحت حتى نزل القرآن فيها.
فقال صلى الله عليه وسلم: «يا خولة أبشري» قالت: خيرا، فقرأ عليه الصلاة والسلام عليها: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قول الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها}.
قال النحاة: إنّ قد الداخلة على الماضي لابد فيها من معنى التوقع، يعنون أنه لا يقال: قد فعل إلا لمن ينتظر الفعل، أو يسأل عنه، ولذلك قال سيبويه: وأما قد فجواب هل فعل، لأنّ السائل ينتظر الجواب، وقال الخليل: هذا الكلام لقوم ينتظرون الخبر، يريد أنّ الإنسان إذا سئل عن فعل، أو علم أنّ المحدّث يتوقع أن يخبر به قال: قد فعل. وإذا كان المخبر مبتدئا قال: فعل كذا وكذا.
و(قد) هنا فيها معنى التوقع، فإنّ السماع في قوله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قول الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها} مجاز عن القبول والإجابة بعلاقة السببية. ولا شكّ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوقع أن يجيب اللّه دعاءها ويفرّج كربها.
{تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها} أي تراجعك الكلام في شأن زوجها {وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} الشكوى أن تخبر عن مكروه أصابك، وهي من الشكو، وأصله فتح الشكوة، وإظهار ما فيها، والشكوة وعاء كالدلو، أو القربة الصغيرة، يتخذ للماء واللبن ونقع الزبيب والتمر، ثم شاع استعمال الشكوى في إظهار البثّ، وما انطوت عليه النفس من المكروه.
{وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما} السمع هنا على حقيقته المعروفة، وهي أنّه صفة يدرك بها الأصوات، غير صفة العلم، أو أنه نوع من الإدراك يرجع إلى صفة العلم. والتحاور: المرادّة في الكلام، وهو قريب من معنى المجادلة.
{إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} أي أنه تعالى يسمع كل المسموعات، ويبصر كل المبصرات، على أتم وجه وأكمله، ومن لازم ذلك أن يسمع تحاورهما، ويبصر هيئة المجادلة حين رفعت رأسها إلى السماء مبتهلة ضارعة.
قالت عائشة رضي اللّه عنها: «الحمد للّه الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت خولة بنت ثعلبة تشكو إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وأنا في كسر البيت يخفى عليّ بعض كلامها، فأنزل اللّه تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قول الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (1)}» أخرجه البخاري والنسائي.